السؤال

العدوى في الاسلام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كيف يمكن الجمع بين الحديثين:"لا عدوى ولا طيرة" والحديث:"فر من المجذوم فرارك من الأسد"

الإجابة

يتضمن السؤال حديثين، بينما هما فقرتان من حديث واحد؛ وقد وردتا في المنصة حديثين مفرقين، برقم 3800 و9115 وأصلهما حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح الإمام البخاري، ولفظه: «لا عدوى ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر، وفر من المجذوم كما تفر من الأسد» والفقرة الأولى رواها الإمام مسلم أيضا، فالحديث صحيح لتلقي الأمة أحاديث الصحيحين بالقبول. وقد وردت أحاديث كثيرة في موضوع الحديث، ورغم ما بينها من الاختلاف، فكلها يفيد الأمر بالتوكل على الله، وأنه لا شيء من المخلوقات يمكن أن يحدث نفعا أو ضرا إلا ما كتبه الله. قال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد: "فقوله عليه السلام: "لا طيرة" نهي عن التشاؤم والتطير بشيء من الأشياء؛ وهذا القول أشبه بأصول شريعته صلى الله عليه وسلم... وقال إن الأصل هو قول الله تعالى: "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا". أما قوله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى" فهو نهى عن أن يقول أحد إن شيئا يعدي شيئا. فكأنه قال لا يعدي شيء شيئا، يقول: ولا يصيب أحد من أحد شيئا من خُلُقٍ أو فعل أو داء أو مرض. وكانت العرب تقول في جاهليتها مثل هذا، أنه إذا اتصل شيء من ذلك بشيء أعداه. فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قولهم ذلك واعتقادهم في ذلك ليس كذلك ونهى عن ذلك القول. واما قوله صلى الله عليه وسلم: "وفر من المجذوم.." فإنه لا يناقض أول الحديث، ورسول الله صلى الله عليه وسلم منزه ان يتناقض في جملتين متتاليتين. وقد وردت أحاديث صحيحة في فعله صلى الله عليه وسلم تدل عليه؛ منها انه أرسل لرجل مجذوم من ثقيف لما قدمت للمبايعة ارجع فإنا قد بايعناك. كما ثبت خلاف هذا مما يدل على ان الأمر يتعلق بالتوكل، فعند الإمام الترمذي من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل مع مجذوم فقال له: كل، ثقة بالله وتوكلا عليه، وكذلك فعلت ام المؤمنين عائشة رضي الله عنه وسيدنا عمر رضي الله عنه. وذكر العلماء للجمع بين هذه الآثار وجوها: أولها ما قاله القاضي عياض السبتي وجعله قول الأكثرين: أن الأصل نفي أن يكون شيء يعدي وينقل المرض بنفسه، لولا مشيئة الله، وأن الأمر باجتناب المجذوم، هو من باب الاستحباب، والاحتياط. الثاني: قول الباقلاني وجمع بالتقييد: وهو أنه لا عدوى تحصل إلا ما أكده النبي صلى الله عليه وسلم مثل الجذام وما يكون في حكمه، مما صح من الطاعون، حيث جعل الله له هذه القابلية للانتقال بالاحتكاك او لمس ما يسيل من جلده. وهو الذي جرى عليه عمل الفقهاء عبر التاريخ؛ وقد نقل القاضي عياض عن اكثر الفقهاء أنهم رأوا فكرة الحجر الصحي إذا كثر المرضى بمثل هذه الأمراض المعدية، ويمنعون المرضى من المسجد ومخالطة الناس في الماء والأسواق، ويقوم غيرهم عليهم في ذلك. الثالث: من العلماء من رجح وجود العدوى، واعتبر نفيها منسوخا، ومنهم من عكس، والفقهاء والصحابة، كانوا لا يدخلون اماكن الأوبئة، وشرعوا الحجر الصحي، كما نقلنا عن القاضي عياض، لكنهم اختلفوا في الواحد، الذي يكون فيه مرض يعدي. والذي يظهر هو قول الإمام الباقلاني، وهو أنه لا عدوى إلا ماجاء منصوصا او ما في حكمه، والذي يحدده الأطباء. ويبقى تثبيت أصل التوكل على الله أساس هذه الأحاديث. دون إغفال الأخذ بالاحتياط لمن يضعف يقينه. والناس تتفاوت في اليقين، والاحتياط يتساوى فيه الناس.