منصة محمد السادس للحديث النبوي الشريف

السؤال

البكاء على الميت

السلام عليكم هل يصح حديث في عذاب الميت ببكاء عائلته عليه مباشرة بعد وفاته؟

الإجابة

عليكم السلام ورحمة الله، نعم وردت أحاديث صحيحة في هذا المعنى رواها الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما منها ما أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجنائز من صحيحه باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه» إذا كان النوح من سنته، والإمام مسلم في كتاب الجنائز من صحيحه أيضا في باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه، واللفظ له عن عبد الله بن أبي مليكة، قال: توفيت ابنة لعثمان بن عفان بمكة، قال: فجئنا لنشهدها، قال: فحضرها ابن عمر، وابن عباس، قال: وإني لجالس بينهما، قال: جلست إلى أحدهما، ثم جاء الآخر فجلس إلى جنبي، فقال عبد الله بن عمر لعمرو بن عثمان: وهو مواجهه، ألا تنهى عن البكاء، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه»، وكذلك الحديث المتفق عليه الذي رواه أبو بردة، عن أبيه، قال: لما أصيب عمر جعل صهيب يقول: وا أخاه، فقال له عمر: يا صهيب أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الميت ليعذب ببكاء الحي"، وغيرها من الأحاديث الواردة في هذا المعنى. وللعلماء أقوال في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "يعذب الميت ببكاء أهله عليه" ذكرها ابن بطال في شرحه على صحيح البخاري بقوله: "اختلف أهل العلم في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "يعذب الميت ببكاء أهله عليه"، فقالت طائفة: معناه أن يوصى بذلك الميت، فيعذب حينئذ بفعل نفسه لا بفعل غيره، وإليه ذهب البخاري في قوله: إذا كان النوح من سنته، يعنى أن يوصى بذلك، وهو قول أهل الظاهر، وأنكروا قول عائشة، وأخذوا بحديث عمر، وابن عمر، والمغيرة أن الميت يعذب بما نيح. وقال آخرون: معناه أن يمدح الميت في ذلك البكاء بما كان يمدح به أهل الجاهلية من الفتكات والغارات والقدرة على الظلم، وغير ذلك من الأفعال التي هي عند الله ذنوب، فهم يبكون لفقدها ويمدحونه بها، وهو يعذب من أجلها. وقال آخرون: معناه أن الميت ليعذب ويحزن ببكاء أهله عليه، ويسوؤه إتيان ما يكره ربه، واحتجوا بحديث قيلة حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قالت: بكيت ثم قلت: والله يا رسول الله، لقد ولدته حراما، فقاتل معك يوم الربذة، ثم ذهب يمترى لي من خيبر فأصابته حمى فمات. فقال صلى الله عليه وسلم: "لو لم تكوني مسكينة لجررناك اليوم على وجهك، أتغلب إحداكن على أن تصاحب صويحبة في الدنيا معروفا، حتى إذا حال بينه وبينه من هو أولى به، استرجع، فقال: رب أثبني بما أمضيت، وأعني على ما أبقيت، والذي نفس محمد بيده، إن إحداكن لتبكي فتستعين إليه صويحبة، فيا عباد الله، لا تعذبوا أمواتكم". ليخلص بعد ذلك إلى القول: "وكل حديث أتى فيه النهى عن البكاء فمعناه النياحة عند العلماء، لأن الله تعالى أضحك وأبكى، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب". وقال الرسول لعمر إذ نهى النساء عن البكاء: "دعهن يا عمر، فإن النفس مصابة، والعين دامعة، والعهد قريب". ونهى عن النياحة، ولعن النائحة والمشقة، ونهى عن شق الجيوب، ولطم الخدود، ودعوى الجاهلية".