منصة محمد السادس للحديث النبوي الشريف

السؤال

الوسوسة

حكم حديث سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة قال: تلك محض الإيمان؟ وما المقصود بالوسوسة؟

الإجابة

هو حديث صحيح رواه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها، عن عبد الله، قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة، قال: "تلك محض الإيمان". والوسوسة كما بين معناها الإمام ابن الجوزي في كشف المشكل من حديث الصحيحين هي: "حديث الشيطان في بواطن القلوب"، والمحض: "الخالص. وأصل هذا أن اللبن إذا لم يخلط بالماء قيل له محض: أي خالص". وللحديث ـ والأحاديث التي في معناه وقد ورواها الإمام مسلم في صحيحه ـ توجيه ذكره الإمام المازري والقاضي عياض والإمام النووي ـ رحمة الله عليهم جميعا ـ وفيما يلي كلام الإمام النووي في توجيه هذه الأحاديث: "(سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة فقال تلك محض الإيمان). وفى الحديث الآخر (لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله) وفي الرواية الأخرى (فليقل آمنت بالله ورسله) وفي الرواية الأخرى (يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا وكذا حتى يقول له من خلق ربك فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته) أما معاني الأحاديث وفقهها فقوله صلى الله عليه وسلم ذلك صريح الإيمان ومحض الإيمان معناه استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلا عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك، واعلم أن الرواية الثانية وإن لم يكن فيها ذكر الاستعظام فهو مراد وهي مختصرة من الرواية الأولى ولهذا قدم مسلم ـ رحمه الله ـ الرواية الأولى، وقيل معناه أن الشيطان إنما يوسوس لمن أيس من إغوائه فينكد عليه بالوسوسة لعجزه عن إغوائه وأما الكافر فإنه يأتيه من حيث شاء ولا يقتصر في حقه على الوسوسة بل يتلاعب به كيف أراد فعلى هذا معنى الحديث سبب الوسوسة محض الإيمان أو الوسوسة علامة محض الإيمان وهذا القول اختيار القاضي عياض وأما قوله: "فمن وجد ذلك فليقل آمنت بالله"، وفي الرواية الأخرى: "فليستعذ بالله ولينته" فمعناه الإعراض عن هذا الخاطر الباطل والالتجاء إلى الله تعالى في إذهابه، قال الإمام المازري ـ رحمه الله ـ: "ظاهر الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يدفعوا الخواطر بالإعراض عنها والرد لها من غير استدلال ولا نظر في إبطالها"، قال: "والذي يقال في هذا المعنى أن الخواطر على قسمين: فأما التي ليست بمستقرة ولا اجتلبتها شبهة طرأت فهي التي تدفع بالإعراض عنها وعلى هذا يحمل الحديث وعلى مثلها ينطلق اسم الوسوسة، فكأنه لما كان أمرا طارئا بغير أصل دفع بغير نظر في دليل إذ لا أصل له ينظر فيه، وأما الخواطر المستقرة التي أوجبتها الشبهة فإنها لا تدفع إلا بالاستدلال والنظر في إبطالها والله أعلم". وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "فليستعذ بالله ولينته" فمعناه إذا عرض له هذا الوسواس فليلجأ إلى الله تعالى في دفع شره عنه وليعرض عن الفكر في ذلك وليعلم أن هذا الخاطر من وسوسة الشيطان وهو إنما يسعى بالفساد والإغواء فليعرض عن الإصغاء إلى وسوسته وليبادر إلى قطعها بالاشتغال بغيرها والله أعلم" شرح النووي على مسلم 2/153 ـ 154 ـ 155.